السودان اليوم يقف على مفترق طرق. سنوات من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وضعتنا في حالة يرثى لها، لكن الحقيقة الصادمة هي أن هذه الحالة لم تكن إلا نتاجًا طبيعيًا لجهل الشعب بحقوقه وواجباته تجاه الوطن. شعبنا السوداني، الذي حمل أحلام الاستقلال والحرية، أصبح عاجزًا عن تحديد موقعه في المشهد الوطني. اليوم، نحن بحاجة ماسة إلى ثورة فكرية تعيد تشكيل الوعي العام تحت شعار "نحو سودان جديد".
أولاً: الشعب مصدر السلطات
من أين تبدأ المأساة؟ تبدأ عندما يجهل الشعب أنه المصدر الأول والأخير للسلطة. إن حق الشعب في اختيار الحكومات ليس منّة ولا هبة من أي طرف، بل هو حق أصيل كفلته كل القوانين السماوية والأرضية. ولكن، هل مارسنا هذا الحق؟ أم أننا استسلمنا لأصوات البنادق وانبطحنا أمام من يحكمنا بالقوة؟
إن حقنا في اختيار حكوماتنا هو الخطوة الأولى لتأسيس سودان ديمقراطي جديد. على كل مواطن سوداني أن يدرك أن صوته هو السلاح الحقيقي. لا يمكننا أن نسمح لأي جهة كانت، عسكرية أو مدنية، بأن تسرق هذا الحق منا بعد اليوم.
ثانيًا: الدستور فوق الجميع
لقد عانى السودان طويلًا من غياب دستور حقيقي يعكس إرادة الشعب. الدستور ليس مجرد وثيقة تُكتب في غرف مغلقة على يد النخب السياسية، بل هو عقد اجتماعي بين الشعب والحكومة. يجب أن يُكتب هذا الدستور بأيدٍ تمثل كل مكونات الشعب السوداني، ويجب أن يكون الدستور هو السيد المطلق. لا حزب ولا قائد ولا طائفة فوق الدستور.
أي سوداني عليه أن يسأل نفسه: أين موقعي في هذا الدستور؟ هل يعكس هذا الدستور حقوقي وآمالي وطموحاتي؟ إذا لم يكن كذلك، فإن مسؤوليتي تجاه نفسي وتجاه وطني أن أطالب بدستور يمثلني.
ثالثًا: مجلس نواب يمثل الشعب
ما الذي يجعل أي حكومة مطلقة اليد تفعل ما تشاء؟ الجواب بسيط: غياب مجلس نواب قوي يمثل الشعب. نحن بحاجة إلى برلمان حقيقي، يتكون من نواب اختارهم الشعب بحرية، ليكونوا صوته المسموع. مجلس النواب يجب أن يكون الرقيب الأول على الحكومة، يمنعها من تجاوز حدودها، ويحاسبها على أخطائها.
لكن دعونا نواجه الحقيقة: الشعب السوداني نفسه لم يطالب بمجلس نواب حقيقي. بل ترك الساحة خالية، فتحولت الحكومات إلى قوى مستبدة تسرح وتمرح دون أي رقيب أو حسيب.
رابعًا: الاستفادة من تجارب الماضي
التاريخ هو أعظم معلم، لكننا كسودانيين لم نتعلم من تجاربنا السابقة. كم مرة ثرنا وأسقطنا حكومات فقط لنكرر الأخطاء نفسها؟ كم مرة صدقنا الوعود الكاذبة وألقينا بأنفسنا في أحضان الدكتاتوريات؟ إذا أردنا سودانًا جديدًا، فعلينا أن ندرس الماضي بعيون ناقدة.
علينا أن ندرك أن بناء وطن جديد لا يبدأ فقط بإسقاط الحكومات، بل ببناء مؤسسات قوية، دستور عادل، وشعب واعٍ بحقوقه وواجباته.
نحو سودان جديد
إن المعركة الحقيقية اليوم ليست معركة سلاح أو قتال في الشوارع، بل هي معركة وعي. كل سوداني عليه أن يدرك أن له دورًا في بناء وطنه، وأن السكوت عن الحقوق خيانة. علينا أن نؤسس سودانًا جديدًا تحت شعار: لا أحد فوق الدستور، ولا أحد خارج إطار القانون.
نحن بحاجة إلى جيل يرفع صوته عاليًا، يطالب بحقوقه، ويؤمن أن الحرية والعدالة والمساواة ليست شعارات تُرفع في الميادين، بل هي أسلوب حياة. سوداننا لن يبنيه الساسة وحدهم، بل سيبنيه كل فرد يضع يده في يد الآخر، ويؤمن أن مصلحة الوطن فوق مصلحة الأفراد والجماعات.
هذا النداء لكل سوداني وسودانية: أنهضوا، طالبوا بحقوقكم، دافعوا عن وطنكم، واكتبوا بأيديكم صفحة جديدة في تاريخ السودان. نحو سودان جديد، لا مكان
فيه للجهل أو القهر أو الاستبداد.
0 تعليقات